تحذير: محتوى عنف جسدي.
في ناس كتير لما بتخلص من مرحلة ما في حياتها بتنساها. بس أنا عكس كدة، طول الوقت بافكر وباتأمل ايه الحاجات اللي ساعدت في تكويني وإيه أكتر مواقف أو أشخاص تسببوا ليا في مشاكل أو فرص كويسة. التدوينة دي تخليص حق، أو فش خلق، أو حتى اعتبروها أي جعجعة مش مشكلة.
المدرسة اللي درست فيها كان لها نصيب كبير من تكويني، وهو تكوين رافض تماما للعنف وخصوصا ضد الأطفال. اللي يعرفني عارف كويس مشكلتي مع ضرب أو حتى لمس الأطفال. ولو استوجب فانا باقف بجسمي قصاد أي حد بيعاقب طفل جسديا. لا أؤمن بأي نوع من العقاب الجسدي لأي انسان تحت أي ظرف.
أنا درست في مدرسة مشتركة اسمها المرقسية الخاصة لغات في الاسكندرية في الفترة من 1992-2002، وهي فترة حضانة لآخر اعدادي. المدرسة تتبع لحد دلوقتي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في اسكندرية. زي أي مدرسة كان في الكويس وكان في الوحش، لكن كان في وحش شوية زيادة مستمد من ثقافة المجتمع وقتها وعادات المدارس في ضرب الأطفال.
كان ليا "واسطة" بسبب أهلي إن ماحدش بيقدر يضربني، يعني مكانوش بيضربوني، عشان بيخافوا من أبويا، مش عشان هما بيحترموني يعني، لأن كلنا في نظرهم كنا أطفال تستحق العقاب. على كلامهم: السيئة تعم والحسنة تخص. والعقاب الجماعي كان أحيانا ينوبني منه ضربة أو شتيمة سريعة.
كنت طفلة متفوقة، فأنا أول طالبة تاخد مركز أول على مستوى المحافظة في تاريخ المدرسة، لما طلعت الأولى على ابتدائية اسكندرية 1999.
باحكي كل ده عشان عارفة الناس اللي هاتقول كلام زي: يعني كان في مدرسين كويسين، انتي بتظلمينا، المدرسة كانت كويسة معاكي، احنا ماعاملناكيش غير بكل ذوق، الخ.
تمام يا جماعة شكرا على المعاملة ال"خاصة" اللي خلتني بدل ماتضرب على مؤخرتي من مدرسة الانجليزي في اولى ابتدائي، اتفرج بس على الأطفال وهي بتتعجن على ضهرها ومؤخراتها بعصاية خشب تخينة.
المعاملة الخاصة دي كمان كان معناها ان لو في مدرس مش عارفني، بس شتمنا أو ضربنا كلنا، فأنا كنت باتضرب عادي.
المعاملة الخاصة مش معناها اني ماقفش في وش الغلط، لأن انا هأقف في صف المستضعفين، وأنا كمان من المستضعفين دول.
في نظري، الضرب مالهوش مبرر، تحت أي ظرف، لكن هما كان كل مبرراتهم في الضرب انه في ناس ماعملتش الواجب، أو ناس بتعمل شقاوة في الحصة.
كان في مرة مدرسة ألعاب دخلت الفصل حصة احتياطي، كنت مطلعة رجلي بره الديسك اللي هي موقفانا فيه، فقالتلي "اقفي زي اللي في رجلك"، أنا كطفلة حساسة جدا انهرت في العياط لأني اعتبرتها شتمتني اني جزمة. تاني يوم المدرسة دي اعتذرتلي قدام المدير. لكن ده مكانش حال باقي الطلبة.
في رابعة وخامسة ابتدائي كنت أول مرة أعمل اضراب عشان مدرسة الانجليزي كانت بتخلينا نكتب المنهج اللي بناخده كل يوم، يعني لو في يوم قرينا قصة، نروح البيت نكتب اللي قريناه مرتين. أي كلام تكتبه ع السبورة نروح البيت ننقشه تاني مرتين. في نظرها، ده كان التعليم، وكانت عاملانا مفتشين على بعض، فكانت بتخلي كام واحد يفتشوا على واجبات الفصل. فأنا بطلت اتفاعل في الفصل ولا أجاوب على أي حاجة حتى لو عارفة الاجابة، وبطلت أفتش لها على الواجب، وبطلت أكتبه. الست دي في نظر المدرسة كانت أشطر مدرسة انجليزي والطلبة اللي عندها كانوا أكتر ناس "محظوظين".
في مرة مدرسة ساينس مسكت واحد عجنته وهزقته عشان لابس الساعة في ايده اليمين. أنا تقريبا أكاد أجزم اني لحد دلوقتي مش فاهمة ايه مشكلتها مع الساعة في الايد اليمين وعايزة أقولها يا ميس "نون" أنا بالبس الساعة في ايدي اليمين دلوقتي تعالي اجري ورايا!
في مرة سألني مدرس مشهور بمسك "خرزانة" طويلة مبرومة بيلسوع بيها الرجلين والجسم، سألني في الحصة 4 * 7 كام، انا ماعرفتش في ساعتها، فهوشني كده من تحت على رجلي لأنه طبعا مكانش يقدر يضربني. لكن غيري كانوا "بيتمدوا" وبيتنادى عليهم في الميكروفون عشان ياخدوا العلقة.
جميع أنواع الضرب: بمساطر خشب، بخرزانات، بضوافر الستات. جميع طرق الضرب: لطش، أقلام، شلاليط، قرص، لحد الدم والانهيار. وجميع أنواع الاهانات والشتايم.
اللي أثار الجدل مؤخرا على المدرسة كان البوست ده اللي كتبته المدرسة، فأنا رديت في تعليق تم مسحه انه هل المدرسة عندها استعداد تعمل جروب ثيرابي للخريجين؟
تعليقات ماتمسحتش:
المدرسة فعلا قابلت حد من أصدقائنا المعترضين و"راضوه" ببعض من المعلشات و"احنا اتغيرنا".
وناس دلوقتي كتير عمالة تكلمني تقولي المدرسة اتغيرت واحنا عندنا ادارة شكلها معرفش ايه.
تعالوا نشوف التغيير: في بوست للكنيسة على فيسبوك، لحفلة كرم فيها البطرك خريجين المدرسة، كان في أوائل الصفوف قاعد ناس من جبابرة العصيان بتوع زمان، وطبعا موجودين من غير عصيانهم. طب لما هو في نظام وإدارة جديدة دلوقتي، الناس القديمة دي موجودة بصفتها إيه؟
في ناس هاتقولي طب ما اللي مزعلينك "معظمهم" مشيوا، هارد أقولهم دول مشيوا معززين مكرمين، مش منقولين ع الأقسام والمحاكم.
ضرب الأطفال جريمة تعذيب، العنف النفسي ضد الأطفال برضه جريمة. جرايم التعذيب لا تسقط بالتقادم، يعني ممكن أنا دلوقتي أحاسب واحد على جريمة تعذيب من 100 سنة.
في ناس شايفة ان محاكمة المدرسين دول مش منطقي، يمكن عندهم حق، في مدرسين كتير في أماكن كتير كانت بتعمل كده، والممارسات دي وقفت بس بسبب السوشيال ميديا والتليفزيون لما الناس اتكلمت كتير، رغم إن في أهالي شايفة ان ضرب عيالها ده حاجة "عادي"..!
بعد 22 سنة من خروجي من المستنقع ده، أنا دكتورة جامعية بيجيلي لسة كوابيس عن امتحان الدراسات، وجرس الفصل، ومدرسة الانجليزي. بيجيلي نوبات عياط شديدة كل مافتكر منظر ضرب حصل قدامي وأنا طفلة. بيجيلي دايما فلاش باك لما اضرب 4* 7 تاني.
مين مسئول عن الماضي الأسود ده؟
الاجابة ببساطة هي المؤسسة المتمثلة في المدرسة: إدارة ومجلس وكنيسة مشرفة.
الكنيسة الكاثوليكية اعتذرت عن جرايم عملوها من عقود وقرون. الدول اللي بتعمل جرايم حرب وتمارس احتلال بيجبروها انها تعتذر أو على الأقل تعترف قدام الناس انها غلطت، وطبعا رؤساء الدول دي بيكونوا اتغيروا.
فأنا بأوجه سؤال في الفضاء، في الولا حاجة، باقول، مين مسئول يطهر المدرسة دي من ماضيها الأسود؟
حاضرك مابيمسحش ماضيك، ولا إيه؟ خصوصا لو الماضي ده فيه جرايم يعاقب عليها القانون، وماضي أثر في ألوف من الأطفال الغلبانة.
وإن كان في ناس مسامحة، فأنا مش باسامح، لأن مش بإيدي أسامح جرايم اتعملت في حق أطفال بالكوم وفي حق مجتمع بالكامل.
تفوقي أنا مسئولة عنه، ماحدش يعايرني إن المدرسة اتسببت فيه، أما التروما بتاعتي فانتوا مسئولين عنها.
وعلى رأيكم: السيئة تعم والحسنة تخص.
Follow @evronia