ظهورات السيدة العذراء: بين التصديق والافتراء
بقلم: إفرونية عازر
ديسمبر 2009
تتردد هذه الأيام الأخبار حول ظهورات السيدة العذراء أم النور بكنيستها بالوراق
ومع تداول الخبر، تتردد الأقاويل التي تحاول تكذيب الخبر أو تصديقه...استناداً في بعض الأحيان إلي آيات من الكتاب المقدس نفسه، وهي
لأَنَّ مِثْلَ هَؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ. وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيماً إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضاً يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ. -- 2كورنثوس 13:11-14
أولاً، أنا لست في مركز ديني يسمح بتأكيد خبر ظهور السيدة العذراء، لأنه هناك اجراءات تتخذها الكنيسة لتأكيد صحة هذه الظهورات، مثلما حدث في الزيتون في ابريل 1968 ، فتتكون لجنة تقصي حقائق من أعضاء المجمع المقدس تتحقق من هذه الظهورات عند تكرارها، وتقوم اللجنة باصدار بياناً رسمياً لتؤيد أو تنفي الخبر
ولكن أنا مثل العديد من المسيحيين ممن يريدون الإيمان بأنه فعلاً ظهوراً حقيقياً للسيدة العذراء
ولكن الجدل الآن حول: هل من الممكن أن تظهر السيدة العذراء أو أي من القديسين؟
بالنسبة للظهورنفسه، فإنه ليس من الممكن إنكار ظهورات الزيتون، ولذا، فلماذا لا تكون الوراق زيتوناً أخرى؟
أنا لست ممن يصدقون أي ظهور يُشاع عنه، ولكن هذا لا يمنعنا من تصديق الظهورات المقدسة، في شكل سياحة القديسين الأحياء أو المنتقلين. فالسيد المسيح نفسه ظهر لتلاميذه عدة مرات، أفلا يتمجد الله في قديسيه المختارين، الذين قيل عنهم "أُكرم الذين يكرمونني"(1صم 30:2)؟
وإن افترضنا أن أحد القديسين تراءى لأحد ما، فعليه أن يتكلم بما هو مكتوب في الكتاب المقدس فقط، وإذا تكلم بشيء غير موجود بالكتاب المقدس فهذا يعني أن كلمة الله غير كاملة وبحاجة لظهور هذا القديس ليخبرنا ما هو ناقص فيها وبذلك يهينون الله الكامل. ولذا، فالظهور من هذا النوع ليس من الله لأنه لا يتكلم بما يطابق كلمة الله ... وهذه هو القصد مما قاله القديس بولس في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس "لأَنَّ مِثْلَ هَؤُلاَءِ هُمْ رُسُلٌ كَذَبَةٌ، فَعَلَةٌ مَاكِرُونَ، مُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ إِلَى شِبْهِ رُسُلِ الْمَسِيحِ. وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! فَلَيْسَ عَظِيماً إِنْ كَانَ خُدَّامُهُ أَيْضاً يُغَيِّرُونَ شَكْلَهُمْ كَخُدَّامٍ لِلْبِرِّ. الَّذِينَ نِهَايَتُهُمْ تَكُونُ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ."-- 2كورنثوس 13:11-14
وللتأكيد على هذا القصد، يقول القديس بولس في رسالته الى أهل غلاطية "وَلَكِنْ إِنْ بَشَّرْنَاكُمْ نَحْنُ أَوْ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ بِغَيْرِ مَا بَشَّرْنَاكُمْ، فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا." (غلاطية 1 : 8)، والمقصود هنا أنه إذا قال انسان ما أو حتى ملاك من السماء أو قديس ظهر لأحد كلاماً يناقض تعاليم كلمة الرب فليكن أناثيما أي مرفوضاً أو محروماً، ولذا فعلينا أن نرفض كل كلام من أي مصدر كان لا يتوافق مع تعليم كلمة الرب
وأيضاً في تفسير الآيات (2كورنثوس 13:11-14) فالمقصود هنا هو عدم تصديق الذين يتكلمون بالغش والخداع والكذب ويعملون بالمكر والدهاء فيظهرون كما لو كانوا رُسُلاً حقيقيين، أي المعلمون الكذبة الذين يستغلون كل فرصة لإفساد الخدمة، وتشويه الحق، وهم يتظاهرون بأنهم روحانيون، حتى يبدون كأنهم رسل للمسيح وليس كمخادعين، لكن حتماً سيظهرون فيما بعد على حقيقتهم: أنهم فعلة ماكرون، ينادون بإسم المسيح ويكرزون ويعملون بقوة، لكن تعاليمهم وحياتهم مملوءة خداعًا. هؤلاء الكذبة يمارسون أعمال الشيطان، الذي يمكنه تغيير شكله إلى شبه ملاك نور. فلقد ظهر لحواء، كمن يقدم لها مشورة صالحة وينير ذهنها لمعرفة حقائق مجهولة بالنسبة لها، فخدعها وقادها إلى العصيان. أي أن المقصود في سياق هذا الاصحاح أن عدو الخير يتشكل بكل الطرق للخداع، فقد يتحدث خلال حية ماكرة، و في مرة أخرى يظهر كملاك من نور أو غيره، كل هذا لكي يفسد حياة المؤمن الروحية ويحرمه من بركات الخلاص
وبالرجوع إلي قضية الظهورات، فلو لم تتناقض هذه الظهورات مع كلام الله، فلم التكذيب؟
فالله عندما يصنع آية أو أعجوبة يصنعها لكي يؤمن الناس به هو ويرجعون إليه، ولكن للأسف، نحن ننسى أحياناً أن الله بنفسه كائناً معنا كل يوم على مذبحه المقدس، ونجري وراء الظهورات.. وهذا حدث مع أشخاص كثيرين كانوا يذهبون لرؤية قديس ما قيل أنه يظهر في احدى الكنائس، ويظلوا منشغلين وقت صلاة القداس بمراقبة هذا الظهور وليس بالله نفسه! ولكن لنتذكر دائماً أن الله يصنع العجائب لكي نؤمن به ونتوب ولكي يشدد سواعدنا، مثلما حدث في أيام الرسل القديسين: " ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللَّهِ. وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ" -- مرقس 16 : 19
وأخيراً، إن مرجعنا الرئيسي هي تعاليم السيد المسيح في كتابه المقدس، وطالما لم يحدث في هذه الظهورات ما يتناقض مع كلام الله، من حق العقل البشري أن يصدق هذه الظهورات... وإذا تأكدت صحة الظهورات من قبل الكنيسة، فإنه ليس علينا إلا التصديق
وعلينا في هذه الأيام المقدسة، في الشهر المريمي المليء بالتسبيح، أن نأخذ كل فرصة للتقرب من الله ونسمو في قامتنا الروحية. فإن كان ظهور السيدة العذراء هذا حقيقياً، فليس علينا إلا أن نطلب منها أن تباركنا، هي التي فاقت الطغمات السمائية والتحفت بالنور... وإن لم يكن هذا الظهور حقيقياً، فالعذراء هي أمنا أولاً وآخراً، وهي تظهر لنا دائماً بصورة غير مرئية في ضيقاتنا وشدائدنا، بل هي كائنة دائماً في قلوبنا...شفاعاتها تكون معنا كل حين
49،48:1فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس - لو
وُضعت هذه القديسة، وهي عذراء بطبيعتها، وصارت امَاً ورئيسة، وفوق العالم رتبتها
عليت يا مريم جداً، وتشرفت فوق المقدار، وفقتِ مقدار الشهداء، وتفضلتِ على الأبرار
هزمتِ كراديس الأعداء، وبإبنك نَجوْنا من النار، نعظمك يا بكر مدى، العمر إلى عقب الأدهار
كل جسد حي ونسمة، يجئُ الآن ويهنينا، بأي لغة وأي نغمة، بصوتٍ عالٍ يناغينا
-- السلام لك يا أم الرحمة، نحن عبيدك جيرينا، طوباك يا مملوءة نعمة، عند ابنك الحبيب اشفعي فينا
-- من تسبحة عشية شهر كيهك
المراجع
الكتاب المقدس
التفسير التطبيقي للكتاب المقدس
تفسير رسالة القديس بولس الثانية إلي أهل كورنثوس للقمص تادرس يعقوب ملطي، كما ورد في