Saturday, February 24, 2018

نقد مسيحي إجتماعي لوصية العروسين في طقس الإكليل



مقدمة

الطقس في الكنيسة القبطية بيخضع للتغيير البشري، والطقس مش بس مأخوذ من الكتاب المقدس والتقليد والتسليم الآبائي، بس كمان مأخوذة من البنية المجتمعية اللي بينشأ فيها النص، وعشان كده ممكن يتغير، ويتعدل.

عشان كده بانتقادنا لجزء من الصلوات الكنسية، احنا مش بنهرطق، لكن بنحاول نحلل ونفهم ونوصل لصلوات مسيحية صحيحة لا تتعارض مع الكتاب المقدس والقيم الإنسانية التي عاشها ورسخها السيد المسيح.

في أكتر من موقف، اتكلم كهنة معروفين (مثلا انظر رداً على القمص بولس جورج وزواج الصالونات( بكلام ذكوري بيعبر عن نتاج نشأة وتربية رجال الدين في مجتمع بينصب نفسه وصي على الستات وكل أفعالهم وبينصح انهم مفروض يعملوا حاجات معينة دون غيرها لأنه شايف لهم طريق وسلوك تقليدي مفروض يعملوه. للأسف الفكر ده منعكس على جزء مهم في الصلاة اللي هو وصايا العريس والعروسة في الاكليل. أنا مابحثتش عن الأصل التاريخي للجزء ده من الصلاة، لكن منتقداه مش كنوع من أنواع الاعتراض وخلاص، لكن لأن كلام كتير في الوصية ضد النظرة والمعاملة والفكر المسيحي عن المرأة.




لمحة سريعة عن نصوص الوصيتين

وصية الزوج أصغر وفيها كلام مكرر من وصية الزوجة، ومافهاش كلام مثير للجدل قوي قد وصية الزوجة. فهانتكلم عن وصية الزوجة ونقدها هايتضمن الألفاظ الجدلية اللي بتتكرر في وصية الزوج.

نص وصية الزوجة: "وأنتِ أيتها الابنة المباركة، العروس السعيدة، قد سمعت ما أوصى به زوجك. فيجب عليك ِ أن تكرميه وتهابيه، ولا تخالفي رأيه، بل زيدي في طاعته على ما أوصى به أضعافاً. فقد صرتي اليوم منفردة معه وهو المسئول عنك بعد والديك فيجب عليك أن تقابلية بالبشاشة والترحاب ،لا تضجري في وجه ، ولا تضيعي شيئاً من حقوقه عليك، وتتقي الله في سائر أمورك معه لأن الله تعالى أوصاك بالخضوع له وأمرك بطاعته بعد والديك فكوني معه كما كانت أمنا سارة مطيعة لأبينا إبراهيم، وكانت تخاطبه: يا سيدي فنظر الله إلى طاعتها له، وبارك عليها، وأعطاها إسحق بعد الكبر، وجعل نسلها مثل نجوم السماء، والرمل الذى على شاطئ البحر .فإذا سمعت ما وصيناك به وأتبعت جميع الأوامر، أخذ الرب بيدك ووسع في رزقك، وحلت البركات في منزلك، ورزقك أولاداً مباركين يقر الله بهم عينيك".


نص وصية الزوج: "يجب عليك ايها الابن المبارك، المؤيد بنعمة الروح القدس أن تتسلم زوجتك فى هذه الساعة المباركة بنية خالصة ونفس طاهرة وقلب سليم وتجتهد فيما يعود لصالحها وتكون حنوناً عليها وتسرع الى ما يسر قلبها . فأنت اليوم المسئول عنها من بعد والديها. وقد تكللتما بالإكليل السمائى والزيجة الروحانية وحلت عليكما نعمة الله. ومتى قبلت ما اوصيت به . أخذ الرب بيدك واوسع فى رزقك. ويرزقك أولاداً مباركين يقر الله بهم عينيك. ويمنحك العمر الطويل والعيش الرغد ويحسن لك العاقبة فى الدنيا والاخرة"


تفصيل لنص الوصايا

1-     تكرميه وتهابيه

أعتقد الكتاب المقدس قال أكرم أباك وأمك، يعني الاكرام مش قاصر على دور الست ناحية الراجل، لكن مفروض يكون متبادل بين كل الأطراف في العائلة وخارجها. الوصية للأسف بتخصص الأدوار بطريقة چندرية.

أما بالنسبة للمهابة، ماعتقدش إن ده لفظ نابع من احترام وحب، لكن نابع من خوف، ولو عكسنا الجملة وقلنا للراجل إنه يهاب مراته، الجملة تتحول لحاجة مش مقبولة ومش مستساغة مجتمعيا. طب ليه نقبل نقوله للست ومانقبلش نقوله للراجل؟ وإيه هي طبيعة المهابة المطلوبة من الست انها تقدمها والراجل مش مطلوب يقدمها؟


2-     لا تخالفي رأيه، بل زيدي في طاعته على ما أوصى به أضعافاً... الله أوصاك بالخضوع له وأمرك بطاعته


مش عارفة أنهي جزء في الكتاب المقدس اللي قال للست ماتخالفش رأي الراجل. ومش عارفة فين في الكتاب المقدس صور الست على انها تفضل مطيعة ماتقولش لا. الجملة دي هو التفسير الحرفي لأيات الاصحاح التالت من رسالة بطرس الأولى عن خضوع المرأة للرجل. في دراسة مطولة عملتها للاصحاح بالانجليزي (هنا) أقدر أقول بثقة إن الاصحاح مش بيروج لفكرة إن الستات لازم مايخالفوش الرأي ويقدموا طاعة عمياء.

الاصحاح عشان نفهمه مظبوط لازم نبص للإطار التاريخي للكلام. المراجع موجودة في الملف اللي في الرابط بتاع الدراسة. في منتصف القرن الأول الميلادي، الزوجة كانت مطلوب منها انها تتبع دين زوجها، يعني لو الزوج بقى مسيحي، زوجته لازم تبقى كده، ولكن لو الزوجة بقت مسيحية، الزوج كان بيعتبر انها بتخونه وبتخون معتقداته الوثنية، وده كان بيسبب شد ومشاكل في البيوت. بطرس الرسول وقتها بينصح الزوجات بانهم يخضعوا حتى لو أزواجهم كانوا بيخلقوا مشاكل لهم بسبب اتباعهم للمسيحية. بطرس كان مدرك تماما المأزق اللي الستات المسيحية فيه وقتها، اللي أزواجهم مكانوش مسيحيين. عشان كده بطرس بينصح الستات انهم يخضعوا بدل ما يجادلوا أزواجهم (اللي في موقف أقوى بسبب السياق التاريخي) وإنهم يكونوا قدوة بسلوكهم الصالح عشان يبقى أزواجهم هما كمان مسيحيين. وبالتالي، الخضوع هنا معناه انهم يحاولوا يقودوا الرجالة لطريق أحسن عن طريق سلوكهم، وبالطريقة دي يكسبوهم ويضموهم للمسيح. القديس إكليمنضس السكندري بيقول في السياق ده "لقد قيل في الكتاب المقدس أن الله أعطى المرأة معينة للرجل. في رأيي أنه من الواضح أنها تقدر أن تقوم بعلاج جميع متاعب زوجها في تدبير خدمتها، وذلك خلال سلوكها الحسن وقدرتها."

وفي نفس السياق، بيقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "المرأة بطاعتها للرجل يصير وديعًا نحوها... بالمحبة تزول كل مقاومة، فإن كان الرجل وثنيًا يقبل الإيمان سريعًا، وإن كان مسيحيًا يصير أفضل".  والخضوع هنا مش لأن الست خايفة من الراجل لكن "كما يليق في الرب" (كو ٣: ١٨)، عشان بتستمده من خضوع الكنيسة للمسيح (أف ٥: ٢٤).

وده بيجيبنا للنقطة التانية في الخضوع إن خضوع الكنيسة للمسيح مش خوف لكن مسئولية محبة وخدمة. القيادة في المسيحية معناها "نظير معين" (تكوين ۲: ۱۸)،  "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضا الكنيسة" (أف ٥: ٢٥). وبالتالي يوحنا ذهبي الفم في السياق ده بيفسر ده عن طريق إنه بيقول إنه لو عايزين خضوع الستات للرجالة زي خضوع الكنيسة للمسيح، لازم يكون تصرف الرجالة ناحية الستات كمان زي تصرف المسيح ناحية الكنيسة! حتى لو تطلب الأمر إنه يضحي بحياته عشانها، ويتألم، مفروض مايتأخرش عن ده. وبالتالي بيأكد القديس يوحنا عن إن الرجالة مش مفروض تستغل الخضوع ده عشان يعاملوا زوجاتهم بطريقة مستبدة، ولا الستات مفروض تنتفخ أو تتعالى بسبب حب أزواجهم ليهم. وبيقول بالنص "أخضعها الله لك لكي تحبها أكثر".      

وبالتالي اننا ناخد الآيات بره السياق التاريخي وقرايتها بطريقة مش شمولية تجمع باقي الآيات التانية وتعاليم الآباء، وكمان نشوف دور المرأة القوي في الكتاب (زي فيبي ودبورة وأبيجايل)، بيتسبب اننا نقول كلام زي "لا تخالفي، زيدي في طاعته" لأن مش ده التفسير الحقيقي للآيات الخاصة بخضوع المرأة لزوجها.


من ناحية تانية، أبونا تادرس يعقوب بيقول في كلامه عن مفهوم الخضوع ما يعني انه مش أمر بعدم مخالفة الرأي وبالطاعة العمياء زي ما الوصية بتوحي بطريقة مقتضبة.. فبيكتب التالي:

 "الخضوع" في المسيحية ليس خنوعًا ولا ضعفًا، ولا نقصًا في الكرامة، هذا ما أعلنه كلمة الله المتجسد حين أعلن طاعته للآب وخضوعه له مع أنه واحد في الجوهر، رافعًا من فضيلة "الخضوع" ليجعلها موضع سباق لعلنا نبلغ سمة المسيح الخاضع والمطيع. والعجيب أن الإنجيلي لوقا يقول بأن "يسوع" كان خاضعًا للقديسة مريم والقديس يوسف النجار (لو ٣: ٥١)، مع كونه خالقهما ومخلصهما، وخضوعه لم يعيقه عن تحقيق رسالته التي غالبًا لم يدركاها في كمال أعماقها، إذ قال بتواضع وصراحة: "لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي" (لو ٣: ٤٩). فالخضوع ليس استسلاما على حساب رسالة الشخص، ولا طاعة عمياء دون تفكير، وإنما اتساع قلب وقبول لإرادة الغير بفكر ناضج متزن.
قدم لنا القديس هيبوليتس الروماني فهمًا لخضوع الابن للآب، ليس علامة عن انتقاص لأقنومه وإنما على تناغمه واتفاقه ووحدته مع الآب، إذ يقول: [يرتد تدبير الاتفاق إلى الله الواحد. فإن الله واحد: الآب يوصي والابن يطيع والروح يهب فهمًا... الآب أراد والابن فعل والروح أعلن، هذا ما يوضحه الكتاب المقدس كله]
إذن فخضوع الزوجة لرجلها هو مشاركة السيد المسيح طاعته وخضوعه للآب كعلامة الحب والوحدة، وليس إهدارًا للكرامة أو كإنقاصٍ من شأنها.

مفهوم الخضوع ده للأسف مش هو اللي الوصية بتعرضه، لكن بتعرض الخضوع على إنه عدم مخالفة في الرأي وأمر بالطاعة.


3-     هو المسئول عنك بعد والديك (فأنت اليوم المسئول عنها من بعد والديها)
لو احنا بنتكلم عن المسئولية بمفهوم الحب، فالجواز مش بينقل المسئولية (الحب) من الأب والأم للزوج، لأن الأب والأم هايفضلوا يحبوا بنتهم أكيد. ولو كنا بنتكلم عن المسئولية بالصورة المادية، فأعتقد ان ستات كتير سواء في الكتاب أو في المجتمع بيكونوا هما اللي مسيرين أمور عائلات وبلاد ماديا ومعنويا. فاعتقد إن الجملة دي مالهاش محل من الإعراب لأن الستات مش محتاجين حد يكون مسئول عنهم زي الأطفال!



4-     ولا تضيعي شيئاً من حقوقه عليك...

مش محدد هنا إيه هي الحقوق دي، لكن السياق الاجتماعي اللي احنا فيه قد يوحي لنا إن الحقوق دي في الأغلب جنسية مثلا؟ لو الحقوق دي هي حقوق الحب فكان ممكن الصياغة بشكل تاني. لو الحقوق دي جنسية، أو اجتماعية، ليه الصياغة مش متبادلة للراجل والست؟ ليه بس بنختار إن الست نخاطبها بصيغة الموصى والمولى عليه اللي مفروض تقدم فروض الولاء والطاعة حرفيا؟


5-     كما كانت أمنا سارة مطيعة لأبينا إبراهيم، وكانت تخاطبه: يا سيدي
هل سارة هي القدوة المطلقة في الكتاب المقدس للستات، وهل تصرفاتها فعلا يقتدى بيها؟ ع العموم سارة طلبت من ابراهيم الزواج من هاجر وهو استجاب لها... فمفروض بقى هنا نقول للرجالة تسمع الكلام زي ابراهيم ما عمل مع سارة، بدل ما نقول العكس، ولا إيه؟

بالرجوع للسياق التاريخي مرة تانية، كلمة "سيدي" وقتها لا تدل على خضوع منها بل نوع من انواع الاحترام. مش بالضرورة أحسن مثل للمعاملة الكويسة بين الراجل ومراته تبقى إننا نقول لهم قدام الناس كلها "خليكي مطيعة لسيدك". ليه مثلا مش بنقول للست خليكي حكيمة زي ما أبيجايل أنقذت الناس في الحرب لدرجة إن داود قالها "مبارك عقلك"، عقل المرأة اللي الوصية مابتجيبش سيرته، لكن بتتكلم عن حقوق الراجل عليها وطاعته ومخاطبته بسيدي!

 
6-     فنظر الله إلى طاعتها له، وبارك عليها، وأعطاها إسحق بعد الكبر، وجعل نسلها مثل نجوم السماء
الوصية بتكمل كلام عن سارة، وبتحدد نتيجة الطاعة هي البركة، تحت مفهوم "ابن الطاعة تحل عليه البركة" اللي هي مش آية أساسا في الانجيل. وفي أمثلة كتيرة في الكتاب عن ازاي المسيح نفسه وبولس اعترضوا على اللي قدامهم لما كان غلط. وممكن نتكلم كتير جدا في وقت تاني عن ازاي المسيحية بترفض الطاعة المطلقة. وليه الطاعة مش مطلوبة من الزوج بالمثل؟

الوصية كمان بتختزل البركة في النسل الكثير، اللي هو كان برضه موضوع في العهد القديم وله سياقه وعاداته. أكيد النسل بركة، بس هل معناه إن الناس اللي ربنا ماداهمش نسل معاقبين ومش بيطيعوا، وربنا مش مباركهم وعشان كده ماداهمش نسل؟ ده للأسف برضه نفس مفهوم العهد القديم، زي ما أليصابات حست إن ربنا نزع "عارها" بالخلفة. وبالتالي هل برضه البركة الوحيدة اللي ممكن ربنا يباركها لاتنين متجوزين هو النسل؟ أكيد لا، بالعكس، أكيد في بركات أهم في البيت المسيحي عن الإنجاب، لأنه الأولاد ينفعوا بإيه لو مش عايشين في روح ربنا...


7-     وأتبعت جميع الأوامر، أخذ الرب بيدك ووسع في رزقك (ومتى قبلت ما اوصيت به . أخذ الرب بيدك واوسع فى رزقك. ويرزقك أولاداً مباركين)

واضح من مقارنة طريقة المخاطبة للست انها "تتبع أوامر" والراجل "يقبل وصيته". أعتقد الفرق مهين ومش بيعبر عن طريقة مخاطبة المسيح لأكتر الستات اللي عندهم مشاكل زي السامرية والمرأة الزانية مثلا! وبرضه في ارتباط شرطي بين "اتباع الأوامر" والبركة، فهل الأوامر هنا هي أوامر الزوج ولا الوصية وربنا؟ لو أوامر الزوج يبقى ينطبق نفس الكلام اللي في النقطة اللي فاتت. لو أوامر ربنا، فمن امتى ربنا بيدينا "أوامر"، الإله اللي بيتكلم معانا كأبناء أحباء، عمره ما أمر، ده حتى قال ليوحنا المعمدان " اسمح الآن"، ولا حتى الرسل أمروا، لكن استخدموا ألفاظ زي "ليس كل الأشياء توافق". آخر حاجة هي إن الارتباط الشرطي بين حسن السير والسلوك والبركة الممثلة خصوصا في النسل (في النقطة دي واللي قبلها) هو ضحل ومش في محله لا المسيحي ولا الاجتماعي.

ختام...

على مدار خمس سنين، كنت باكتب في التدوينة دي، والحمدلله ربنا أرشدني إني أخلصها أخيرا دلوقتي، وأتمنى إني أقدر أكمل تاني على نفس الموضوع في المستقبل لو حسيت إني محتاجة أشتبك أكتر مع مناقشة النص.

بصفة عامة نصوص الوصايا ركيكة ومش مكتوبة بطريقة مسيحية، ومافهاش طريقة الخطاب اللي المسيح كان بيخاطب بيها الناس، المسيح اللي كان بيتكلم برقة وحساسية وتعظيم للستات وحتى الأطفال.

سواء كان اللي كتب صياغة نص الوصايا شخص ذكوري وكتب كلام مخالف رؤية المسيحية للمرأة، أو سواء كان شخص خانته التعبيرات وكانت نيته كويسة، في الحالتين النص محتاج تعديل، على الأقل توضيح لجمل الخضوع وحذف لألفاظ ركيكة مش مستخدمة في الصلوات المسيحية زي "أوامر.. الله تعالى.. لا تخالفي رأيه..حقوقه عليكِ". أتمنى الوصية تتكلم عن المرأة الفاضلة اللي تمنها يفوق اللآليء (أم ۳۱: ۱۰)، وعن حكمة الستات ودورهم القيادي في بيوتهم وبلادهم وكرازتهم ودفاعهم عن الحق، وإن في الآخر ده اللي بيجيب البركة للبيت والأشخاص اللي فيه... "ومبارك عقلك، ومباركة أنت" (۱صم ۲٥: ۳۳).