Tuesday, January 25, 2011

مناظر اتعودنا عليها بقى ليها طعم تاني


مناظر اتعودنا عليها بقى ليها طعم تاني
اهداء لكنيستي
______________________________________

كل يوم جمعة  عندنا روتين اسبوعي، بنصحى الصبح بالعافية لأنه يوم الأجازة، ننزل القداس. كل واحد فينا بيدور في ذهنه كلام كتير... "يا رب الحق قراءة الانجيل"، "أبونا بيطول النهاردة في الصلاة"، "هو ده وقته يعني كل الألحان دي، كل شماس بيتمنظر بالحته اللي حافظها"، "العيال بتعمل دوشة في قداس الأطفال، حد يسكتها... اوف بقى"، "البنت دي ازاي اهلها نزلوها من البيت وهي لابسة كده". المهم، بنحضر مدارس الأحد وبنعظ العيال "لا تدينوا كي لا تدانوا" ، "لازم تسمعوا كلام بابا وماما في البيت"، "الكنيسة بيت ربنا وليها احترامها"... بنخلص وغالباً بنحاول نزوغ من اجتماع الخدمة لأن أبونا هايقول الكلام اللي بيقوله كل مرة: "احنا خدام ولازم الخادم يبقى صورة الله لولاده". نروّح البيت، والاسبوع اللي بعده نعمل نفس الكلام.

كل خادم فينا بيفكر ازاي يحّضر احسن درس ويتفوق على أخوه الخادم، كل خادمة عايزة تقول ترنيمة بصوت أحلى من أختها الخادمة، وكل واحده فاكرة نفسها بتعمل اللي ماتعملش. في المهرجان كل سنة، كل واحد عايز يرفع اسم كنيسته، عايز يعمل المستحيل بس يقولوا انهم نمرة واحد.
كلها حاجات بقت في طبعنا وطبيعتنا بنعملها بصفة متكررة لأنها الواجب.

بعد تفجير كنيسة القديسين مارمرقس والبابا بطرس خاتم الشهداء في الاسكندرية، ولأني كنت في الحدث زي ما بيقولوا، مش لأني كنت هناك بس لأن في حوالي 6 أفراد من عائلتي المقربين جداً كانوا هناك وربنا نجاهم بأعجوبة، ده إلي جانب أصدقائي وعشرة عمري اللي كانوا هناك وفي منهم اتصاب اصابات خطيرة. ليلة راس السنة بالنسبة لي كان اسود ايام حياتي وانا باحاول اجيب شيكات دم بالتليفون لناردين وفيكتور، وباكلم كل واحد في التليفون اسأله انت عايش ولا لا، ولو انت عايش، مين مات من اللي اعرفهم؟

في خلال يومين، قدرت أحفظ اسامي وحالات الشهداء والمصابين واحد واحد، واتأثرت بيهم جداً. زرت حوالي 9 مصابين، باختلاف حالاتهم، إلا انهم كلهم كان في عندهم حاجة واحدة مشتركة وهي السلام الداخلي، والابتسامة اللي مابتفارقش وجوههم المليانة حروق وغرز وجروح. حكاية كل واحد فيهم حسستني ان كل عضو مننا في الكنيسة له رسالة، ومختار، وحياته ليها معنى وتوقيت عند ربنا... ربنا بعت لكل واحد فيهم الصليب اللي يزكيه في السما واللي يقدر يشيله بفرح، والمختارين نزعهم من العالم الشرير وسابنا نتألم لفراقهم.

سألت نفسي.. لو يوم وأنا واقفة في كنيستي كنيسة الأنبا تكلا، اللي كانوا كاتبين اسمها على مواقع المجاهدين على انها مستهدفة و الناس بعتولي لا يقل عن 10 رسايل على جميع وسائل الاتصال ان الكنيسة مستهدفة في عيد الميلاد، لو في يوم وانا واقفة وباصة ناحية حضن الآب اللي فيه صورتي المفضلة (الباندوكراتور – الله ضابط الكل) ولقيت فجأة حامل الأيقونات بيتهز والكنيسة بتنفجر، زي ما حصل في كنيسة القديسين، يا ترى هاحس بإيه؟ يا ترى هاحس بإيه لو بناتي في مدارس الأحد كانوا مكان شيرى، روزان، وغيرهم من الأطفال اللي في المستشفيات؟ يا ترى هاحس بإيه لو كان في حد أنا زعلته في مرة وكان في مكان مريم فكري أو مينا وجدي اللي استشهدوا؟ ولقيت نفسي لابسة اسود وأنا مش باحب اللون ده، بس مش قادرة، لأني كنت حاسة بحزن شديد، ودموعي زي دموع كل الشعب المسيحي كانت على خدي ليل ونهار.

أيقونة الباندوكراتور في كنيستنا  


في يوم وأنا طالعة من الشغل، كان يوم الاثنين 3 يناير اللي بعد الحادث، خدت نفسي ورحت على الكنيسة، في ميعاد اجتماع الصلاة الخاص بالخدمة اللي عمري ما حضرته قبل كده. وأنا داخلة على شارع الكنيسة، باقول في سري، يجعل بيتك مفتوح دايما يا رب، ببركة الأنبا تكلا. بابص على باب الكنيسة، كأني باشوفه لأول مرة، كان نفسي اوطي ابوس الأرض، واقول لكنيستي متزعليش مني، انتي اعز عليا من بيتي، وحسيت اني داخلة الكنيسة لأول مرة في حياتي.

انا مش باحب الكنيسة لأن انا متقوقعة جوه الكنيسة زي ما الناس بتقول، بس لأني اتولدت ومالقيتش مكان باحب اروحه اكتر منها، وماحسيتش بنجاح وارتياح غير وانا جواها، يعني من الآخر كل حاجة حلوة في حياتي، كانت كنيستي جزء منها. لما اتولدت كنت هناك في مستشفى الكنيسة، لما دخلت الحضانة، كانت فيها، مدارس الأحد والعيد والمهرجان كنت معاها، لما كنت بانجح كل سنة، حفلتي كانت هناك، ولما خدمت خدمتي كانت هناك، ده حتى جامعتي وشغلي قريبين من كنيستي.

بس اليوم ده، كنيستي كان ليها طعم تاني... منظر الناس وهي بتصلي شدني، صوت البكاء والدموع ساعة الصلاة خلاني احس اني في السما وان ربنا بيقول انا سامع. بصيت لقيت بناتي في الخدمة واقفين يصلوا جنبي، شاركتهم الصلاة وحسيت ان مكانش في حدث هايلمنا كده مع بعض بالروح دي غير الحدث الأليم اللي حسسنا ان الكنيسة مش مجرد مكان عبادة، لكنها منهج حياة.

اليوم ده فضلت لحوالي الساعة 10 بالليل أو اكتر في الكنيسة. انا مش خايفة، لأن أنا في كنيستي، ومحدش بيخاف في كنيسته، دي أمي، حد بيخاف وهو في حضن أمه؟ طلعت عشان اركب العربية مع بابا، ومنظر الأمن والمخبرين في الشارع كان غريب عليّ، وفي بالي حاجة واحدة عايزة اقولها لهم: متتعبوش نفسكم، الكتاب المقدس بيقول: " إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلاً يسهر الحراس" مزمور 127. عايزة اقولهم انهم ممكن يمشوا عشان اللي بيحرس المكان ده حد أهم منكم بكتير.. اللي بيحرس المكان ده هو ربنا اللي خلق كل البشر، واللي بسماح منه بتحصل أي حاجة.

بعد اليوم ده لما صليت في الكنيسة مع اخواتي الخدام وكل الناس، حسيت براحة غريبة وبديت اقلع اللبس الأسود.. لقيت إن أنا باتعلم من اللي حصل بطريقة غريبة جداً. أصبحت كل اهتمامي في الوقت ده اني اكلم صحابي وعيلتي اللي بقالي كتير مسألتش عليهم، واقولهم متزعلوش مني ان الحياة واخداني، وبقيت كل يوم اتطمن على المصابين اللي في كل مستشفى عن طريق اي حد يعرفهم أويكون زارهم، وحسيت يوم العيد وأنا في المستشفى معاهم ان روح الخدمة الحقيقية بتدي بركة كبيرة عمري ما شفتها غير وانا مع مصابين كنيسة القديسين، أو بالأصح "معترفين" كنيسة القديسين. المعترف ده هو اللي بيتألم على اسم ربنا من غير اكليل الشهادة، وأنا حسيت اني باخد بركة المعترفين دول.


يوم قداس العيد، منظر الأمن على الباب، والخوف في عيون الناس، حسسني اني ممكن في يوم من الأيام ماقدرش ادخل كنيستي تاني، وحسيت انه مش هاينفع، يا ناس دي كنيستي، بتاعتي انا، ادخلها ببطاقة وأنا اللي بادخل اقول صباح الخير للراجل الطيب اللي قاعد على باب الكنيسة، بقيت أدخل في بوابة مفرقعات؟؟ وطول ما باصلي في القداس، اقول يعني الانفجار دلوقتي ولا امتى؟؟ هاروّح البيت النهادرة ولا لا؟ بس روحت الحمد لله، وكعادتي آخر واحدة خرجت من الكنيسة. وتاني يوم، رحت أعيد على كنيستي زي كل سنة، بس افتقدت بشدة صوت الأطفال وهي بتـزمر وبتاكل السوداني اللي بنوزعه عليها، لأن مكانش تقريباً فيه حد خالص في الكنيسة، حسيت اني اتجرحت، لأن عمر ما كانت الكنيسة فاضية في يوم العيد، وعمر ما كان في حد مش بينزل الكنيسة يوم العيد. 

يوم الجمعة ومش زي كل يوم جمعة، ماحصلش اللي حكيت عليه في أول كلامي... لقيت الخدمة ليها طعم تاني. حسيت اني متشوقة انزل وارنم مع البنات واحضر الخدمة من بدري، واكلمهم عن اللي انا حاساه وازاي الواحد ممكن يشهد لربنا في أصعب ظروف بتمر على الكنيسة في العصر الحديث. وكنت مصرة أقول ترنيمة "يا كنيسة باقية طول السنين" اللي ماكنتش باحبها قبل كدة أبداً، بس المرة دي كان ليها طعم واحساس تاني، والبنات كلها بتصرخ "يا كنيسة مبنية بدم القديسين، مش بالرمال ولا بالحجارة".  

منظر اوتوبيس الكنيسة وهو جايب الأولاد الصغيرة للكنيسة بقى غير روتيني بالنسبة لي، بقى بيحسسني اني عايزة اشكر ربنا إن ولاده قادرين ييجوا بيته. كل أم ماسكة ايد طفل وداخلة بيه الكنيسة بقت تخليني عايزة اقول ربنا يخليكي لينا يا كنيستنا. ده حتى صوت العيال في الحوش مبقاش يضايقني، بقيت أقول في سري: ربنا مايسكتكوش أبداً يا ولاد الكنيسة ويحافظ عليكم عشان تيجوا كل اسبوع.


ومن ساعتها، كل حاجة في الكنيسة بقى ليها طعم تاني، كل منظر اتعودنا عليه، كل روتين قديم، بقى حاجة بنشكر ربنا عليها انها بتحصل و بتدينا بركة عمرنا ما حسينا بيها قبل كده. كل انسان في حياتي بقى له دور، مابقيتش اشوف حد اقول اوف، لأن ممكن في أي لحظة الانسان ده ميكونش موجود ونعد نعيط عليه.

وأخيراً.. أهم لحظة، لما دخلت كنيسة القديسين لأول مرة بعد التفجير.. اتسمرت قدام الباب. مش عارفة أوطي ابوس ترابها؟ ولا أتفرج على الحيطة المتكسرة؟ ولا على الناس اللي واقفة جوا بتعيط قدام صور الشهداء؟ حسيت اني بادخل كنيسة القديسين لأول مرة! حسيت اني داخلة مكان جديد مليان حزن. ماكنتش مصدقة ان المكان اللي انا واقفة عليه برجلي كان عليه ناس كتير شهداء وأبرار مختارين من الله ومستعدين، واحنا مانستاهلش ندوس على مكانهم بالأحذية.

الاحساس ده وكل اللي مريت بيه حسسني ان الانسان المفروض مياخدش أي حاجه في الدنيا على انها مسلم بيها وهاتحصل كل يوم، هاروح الكنيسة في أي وقت يعجبني، هاكلم اهلي واصحابي في اي وقت تاني، ما الدنيا ماطارتش، هانزل افتقاد في وقت تاني لأني مش فاضية... كل الكلام ده مفهومه اتغير بالنسبة لي... كل حياتي بقى ليها شكل تاني... والفضل يرجع لكنيسة عظيمة اسمها كنيسة القديسين، وشعبها اللي دفع التمن وخد البركة الكبيرة عشان كل الشعب المسيحي يصحى ويفوق ويحس ان الكنيسة أمه محتاجه منه قلبه مش شكليات عبادته وخدمته.

هل يا رب كان لازم يموتوا اكتر من 20 واحد عشان الصحوة دي تحصل في كنايسنا وبيوتنا وحياتنا؟ هل يا ترى بعد الموجة الروحية القوية اللي قربتنا من ربنا، هانرجع تاني نعمل كل اللي كنا بنعمله بنفس الطريقة المملة الغلط دي؟ ولو رجعنا، هاتدينا فرصة، وهانتألم تاني من أجل اسمك؟ ولا غضبك على العالم هاياخد الناس كلها لدينونة عظيمة؟

وبعد كل التفكير والرغي اللي وجعت بيه دماغي ودماغكم، قلت أحسن حل اني أقول لربنا: توبني قبل ما تاخدني.. ولتكن مشيئتك في كل شيء... ولو كان الدور على كنيسة الأنبا تكلا، فيا أهلاً وسهلاً، بس قولولي قبلها عشان استناكم ع الباب.


يا كنيسة باقية طول السنين ..للمؤمنين اعلي منارة
 يا كنيسة مبنية بدم القديسين ..مش بالرمال ولا بالحجارة
 وإن يوم غدروا ولادك.. ولا شككوا في ايمانك
 انت باقية يا كنيسيتنا.. رافعة راسك فوق آلامك


يا سفينة رايحة لبر الامان.. تحمي ولادك من الطوفان
 ياما احتملتي ظلم الرومان.. ماانت قوية من زمان
وإن يوم غدروا ولادك.. ولا شككوا في ايمانك
 انت باقية يا كنيسيتنا.. رافعة راسك فوق آلامك

يا صخرة و ايمانك اكبر مثال.. علي ثباتك وسط الحروب
 ياما نقلتي حتي الجبال.. بإيمان عظيم جوه القلوب
 وإن يوم غدروا ولادك.. ولا شككوا في ايمانك
 انت باقية يا كنيسيتنا.. رافعة راسك فوق آلامك